د.سالم العوضى يكتب: وهم الجماعة بالخلافة.


لقد سقطت الخلافة الإسلامية منذ عام 1924م، أي بعد 1292 سنة من تولى الرسول «ص» الحكم بالمدنية المنورة، وبعد وفاة الرسول «ص»، تولى أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم على، ثم الحسن إبن على رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين، ثم تنازل الحسن سيد أهل الجنة لمعاوية إبن أبى سفيان عن منصب الخليفة، وذلك لحقن دماء المسلمين.
كما بشر بذلك جده الرسول محمد «ص»، وهذه الفترة تُعتبر الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الأولى، ثم أنتقل منصب الخليفة عن طريق تولى عائلات عربية كبرى منصب الخلافة، مثل الدولة الأموية، ثم العباسية، وإنتهاءاً بالدولة العثمانية التركية، حتى سقوطها على يد مصطفى كمال أتاترك، والذى تولى حكم تركيا منفرداً عن باقى دول الإسلام، وبهذا أنتهي الحكم بالخلافة وقد سقط عروة من عُري الإسلام.
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو :
هل إذا سقط منصب الخلافة فى الأمة وتفككت ديار الإسلام وصارت دويلات عدة كل دويلة تحكم بقوانين غير قوانين الشريعة الإسلامية يكون عندئذ سقط الإسلام؟.
أن الإسلام كدين عبادة وعقيدة فى النفوس وموجود فى القلوب وشاغل العقول، لا ينتهى بسقوط الخلافة ولا بعدم تطبيق الشريعة، فـ عمر إبن الخطاب قد أصدر منشوراً بتعطيل تطبيق الشريعة فى عام المجاعة فلا يجوز تطبيق الحدود على شعوب ملكومة، وكما على الشعوب وجبات فعلى دار الخلافة حقوق، ولا يُطالب حاكم أو خليفة بتطبيق القانون وهو لم يوفر لشعبه الحياة الكريمة حتى يستوجب الطاعة والرضاء بالتطبيق عند تقصير الأمة عن أدى الواجبات المنوطة بها.
وثمة أمر من الواجب توضيحه وهو ومن بداية أعلان الرسول «ص»- بأنه نبي مرسل من قبل الله، والحرب مشتعلة والعداوة مستمرة لطمس معالم الإسلام وغرس المسلمين والعرب فى براثن الجاهلية، وعودتهم إلى سالف عهدهم وإشراكهم بالله وذلك على مدار التاريخ، ولقد نجحوا فى فك صواميل الخلافة، وصارت الأمة كـ قطع الأجزاء المبعثرة، كل قطعة تعمل وحدها وبالطريقة التى تحلو لها، ومن هنا سهل السيطرة واللعب بقطع الأجزاء المفككة.
كل هذا أعطى بعض الدعاة والمصلحين والعلماء فى الأمة بضرورة العمل الجاد لإستعادة منصب الترابط وجعل الدويلات دولة، والأجزاء المتفرقة أمة، والمساحات الشاسعة المترامية كتلة، والأموال المُبعثرة قوة، والجيوش العربية والإسلامية كتيبة واحدة، والرؤساء ولاة يتبعون حاكم واحد قوي يتصدر الأمة والشعوب والقوميات والجيوش والأموال كلها تقف حلفه تدعمه وتسانده.
وعلى أثر ذلك نشأت الجماعات فى الأوطان العربية كبديل لعدم وجود منصب الخلافة، تنادى وتدعوا وأحيانا تهدد وتتوعد بضرورة الإتفاق والتقارب حتى يتفق كل جُل الحكام على تنفيذ فكرة الإتحاد والإعتصام والعودة لتنصيب خليفة يحكم كل المسلمين على مستوى العالم.
على أن هناك مقولة لعلماء النفس تقول "إن الإنسان حين لا يستطيع تحقيق آماله وطموحاته فأنه يحققها فى أحلامه وخيالاته"، لقد خرج مجموعة من الدعاة والمصلحين والعلماء تُنادى بضرورة إعادة منصب الخليفة الضائع، وكان أقوها تأثيراً لدى الشباب العربي الشاب حسن البنا والذى أسس جماعة الإخوان المسلمون عام 1928م إي بعد سقوط الخلافة بأربع سنوات والتى مهمتها الأساسية كما قال: «العمل الجاد المتواصل لإستعادة منصب الخلافة وإتحاد الدول الإسلامية ثم أستاذية العالم».
وإنتشرت الجماعة كـ الهويس فى الدويلات لأخذ الراية من الحكام ثم وضعها فى يد الإخوان ليجعلوها راية واحده يحملها رجل واحد.
وعند ذلك سيشتعل الصراع بين دولة فتية باطنية سرية يحكمها مرشد عام بديلاً عن منصب الخليفة الضائع، وبين حكام يحكمون بلادهم بطريقة حديثة مواكبه لمتطلبات العصر الحديث، وهنا يحدث الصراع والدفع والحرب والنضال ليحقق كل فريق منهما ما يربو إليه، فريق حسن البنا يقول : "نريد تطبيق شرع الله"، وفريق الدولة الحالية يقول : "ستتكالب علينا الدول الأخري ولا نريد الصدام مع الدول بسبب وجود جماعات التيار السياسى".
وكل فريق لديه من المبررات ما يقنع به الأخرين، ومع هذه الحالة وفى تلك الأثناء، تنشغل الدولة بمحاربة الإخوان وينشغل الإخوان بأضعاف الدولة.
فلا تقدم نرجو ولا تنمية تتم، ثم يستغل هذه الحالة أعداءنا بالخارج ليتواصلوا مع الإخوان في السر فيعطوهم وعداً بالتمكين، ثم من ناحية أخري يتهموا الدولة بترك الإرهاب ينتشر فى طول البلاد وعرضها، فتشد الدولة الوثاق على الإخوان، فيشتكى الإخوان للأمريكان إضطهاد الدولة للحريات، وتلعب إمريكا الفتية ومن ورائها إسرائيل المستخفية بفصائل الوطن الواحد، ويظل الخلاف منصوب والعداء مشتعل، والمستفيد الوحيد هو عدو الأمة المتربص بنا ولا يفرق معه العرب والإسلام ولا حتى الإخوان المسلمون بل هذه الجماعات هى من الأساس صنيعة العدو الرابض خلف الستار، وهم منتظرون حتى نهلك بعضنا البعض، ثم يحتلوا أراضينا وهى خاوية على عروشها ليس لها من يدافع عنها.